Overblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
18 juin 2007 1 18 /06 /juin /2007 14:00

 

imagesCA0VEPLW.jpg
   

   منهاج السنة النبوية ج: 5 ص: 264

فهذه المواضع من القرآن تبين أن المختلفين ما ا ختلفوا حتى جاءهم العلم والبينات فاختلفوا للبغي والظلم لا لأجل اشتباه الحق بالباطل عليهم وهذ حال أهل الاختلاف المذموم من أهل الأهواء كلهم لا يختلفون إلا من بعد أن يظهر لهم الحق ويجيئهم العلم فيبغى بعضهم على بعض. ثم المختلفون المذمومون كل منهم يبغى على الآخر فيكذب بما معه من الحق مع علمه أنه حق ويصدق بما مع نفسه من الباطل مع العلم أنه باطل وهؤلاء كلهم مذمومون ولهذا كان أهل الإختلاف المطلق كلهم مذمومين في الكتاب والسنة فإنه ما منهم إلا من خالف حقا واتبع باطلا ولهذا أمر الله الرسل أن تدعوا إلى دين واحد وهو دين الإسلام ولا يتفرقوا فيه وهو دين الأولين والآخرين من الرسل وأتباعهم قال تعالى» شرع لكممن الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه« سورة الشورى 13 وقال في الآية الأخرى » يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون« سورة المؤمنون 51_ 53 أي كتبا اتبع كل قوم كتابا مبتدعا غير كتاب الله فصاروا متفرقين مختلفين لأن أهل التفرق والاختلاف ليسوا على الحنيفية المحضة التي هي الإسلام المحض الذي هو إخلاص الدين لله الذي ذكره الله في قوله» وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة « سورة البينة 5 وقال في الآية الأخرى» فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون منيين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون. «  سورة الروم30 32. فنهاه أن يكون من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا وأعاد حرف من ليبين أن الثاني بدل من الأول والبدل هو المقصود بالكلام وما قبله توطئة له وقال تعالى » ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم « سورة هود 110 إلى قوله»ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم« سورة هود 18 119 فأخبر أن أهل الرحمة لا يختلفون وقد ذكر في غير موضع أن دين الأنبياء كلهم الإسلام كما قال تعالى عن نوح » وأمرت أن أكون من المسلمين« سورة النمل 91 وقال عن إبراهيم » إذا قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين «

منهاج السنة النبوية ج: 5 ص: 268

وقد تدبرت كتب الإختلاف التي يذكر فيها مقالات الناس إما نقلا مجردا مثل كتاب المقالات لأبي الحسن الأشعري وكتاب الملل والنحل للشهرستاني ولأبي عيسى الوراق أو مع انتصار لبعض الأقوال كسائر ما صنفه أهل الكلام على اختلاف طبقاتهم فرأيت عامة الإختلاف الذي فيها من الاختلاف المذموم وأما الحق الذي بعث الله به رسوله وأنزل به كتابه و كان عليه سلف الأمة فلا يوجد فيها في جميع مسائل الإختلاف بل يذكر أحدهم في المسألة عدة أقوال والقول الذي جاء به الكتاب والسنة لا يذكرونه وليس ذلك لأنهم يعرفونه ولا يذكرونه بل لا يعرفونه ولهذا كان السلف والأئمة يذمون هذا الكلام ولهذا يوجد الحاذق ا

منهم المنصف الذي غرضه الحق في آخر عمره يصرح بالحيرة والشك إذ لم يجد في الإختلافات التي نظر فيها وناظر ما هو حق محض وكثير منهم يترك الجميع ويرجع إلي دين العامة الذي عليه العجائز والأعراب كما قال أبو المعالي وقت السياق» لقد خضت البحر الخضم وخليت أهل الإسلام وعلومهم ودخلت في الذي نهونى عنه والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي« وكذلك أبو حامد في آخر عمره استقر أمره على الوقف والحيرة بعد أن نظر فيما كان عنده من طرق النظار أهل الكلام والفلسفة وسلك ما تبين له من طرق العبادة والرياضة والزهد وفي آخر عمره اشتغل بالحديث بالبخاري ومسلم وكذلك الشهر ستاني مع أنه كان من أخبر هؤلاء المتكلمين بالمقالات والإختلاف وصنف فيها كتابه المعروف بنهاية الإقدام في علم الكلام .

بيان تلبيس الجهمية ج: 1 ص: 140

وجملة الخلاف على ضربين خلاف مع الخارجين عن الملة المنكرين لكلمة التوحيد وإثبات النبوة أعني نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وخلاف مع أهل القبلة المنتسبين إلى الملة فأما الخلاف مع الخارجين عن الملة فعلى ثلاثة أضرب خلاف مع المنكرين للصانع والقائلين بقدم العالم وخلاف مع القائلين بحدوث العالم المثبتين للصانع المنكرين للنبوات أصلا كالبراهمة ; وخلاف مع القائلين ببعض النبوات المنكرين لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. فجعل ثبوت الصانع وحدوث العالم قولا وإنكار الصانع وقدم العالم قولا ولم يذكر قولا ثالثا بإثبات الصانع وقدم العالم لأن ذلك كالمتنافي عند جمهور المتكلمين فلا يجعل قولا قائما بنفسه . وأما الرازي وأمثاله فيذكرونان الدهرية أعم من هذا ,  بحيث أدخلوا فيهم هذا القسم الذي هو قول المشائين أر سطو وذويه وقول غيرهم. فقال في كتاب نهاية العقول المسألة الرابعة في تفصيل الكفار : قال الكافر إما أن يكون معترفا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم اولا يكون فإن لم يكن فإما أن يكونوا معترفين بشيء من النبوات وهم اليهود والنصارى وغيرهم وإما أن لا يعترفوا بذلك , وهم إما أن يكونوا مثبتين للفاعل المختار وهم البراهمة وأما أن لا يثبتوه وهم الدهرية على اختلاف أصنافهم, وكذلك قال غير هذا مثل ابن الهيصم وأمثاله قالوا قالت الدهرية من منكري الصانع ومثبتيه أن العالم على هيئة ما تراه عليه قد كان لم يزل إلا أن من أثبت الصانع منهم زعم أنه مصنوع لم يتأخر في الوجود عن صانعه وإليه ذهب أرسطو طاليس ومن قال بقوله وقال أهل التوحيد بل هو مصنوع محدث لم يكن ثم كان ولا ريب إنكار الصانع بالكلية قول السمنية الذين ناظرهم الجهم بن صفوان وغيرهم من الدهرية وكطوائف غير هؤلاء من الأمم المتقدمة وأما الدهرية اليونان أتباع أرسطو وذويه ونحوهم فهم مع كونهم دهرية يقرون بأن العالم معلول.

كشف الظنون ج: 1 ص: 11

علم المناظرة وعلم الخلاف والجدل لم يظهر ادراجها في علوم المتشرعة ولا في علوم الفلاسفة لا يقال الظاهر ان الخلاف والجدل باب من أبواب المناظرة تسمى باسم كالفرائض بالنسبة الى الفقه لأنا نقول الغرض في المناظرة إظهار الصواب والغرض من الجدل والخلاف الالزام ثم ان المتشرعة صنفوا في الخلاف وبنوا عليه مسائل الفقه ولم يعلم تدوين الحكماء فيه فالمناسب عده من الشرعيات والحكماء بنوا مباحثهم على المناظرة لكن لم يدونوا.

كشف الظنون ج: 1 ص: 721

علم الخلاف وهو علم يعرف به كيفية إيراد الحجج الشرعية ودفع الشبه وقوادح الأدلة الخلافية بإيراد البراهين القطعية وهو الجدل الذي قسم من المنطق الا انه خص بالمقاصد الدينية وقد يعرف بأنه علم يقتدر به على حفظ أي وضع كان بقدر الإمكان ولهذا قيل الجدلي اما مجيب يحفظ وضعا أو سائل يهدم وضعا وقد سبق في علم الجدل وذكر بن خلدون في مقدمته ان الفقه المستنبط من الأدلة الشرعية كثير فيه الخلاف بين المجتهدين باختلاف مداركهم وانظارهم خلافا لا بد من وقوعه واتسع في الملة اتساعا عظيما وكان للمقلدين ان يقلدوا من شاؤوا ثم لما انتهى ذلك الى الأئمة الأربعة وكانوا بمكان من حسن الظن اقتصر الناس على تقليدهم فاقيمت هذه الأربعة أصولا للملة واجري الخلاف بين المتمسكين بها مجرى الخلاف في النصوص الشرعية وجرت بينهم المناظرات في تصحيح كل منهم مذهب امامه يجري على أصول صحيحة يحتجبها كل على صحة مذهبه فتارة يكون الخلاف بين الشافعي ومالك وأبو حنيفة يوافق أحدهما وتارة بين غيرهم كذلك وكان في هذه المناظرات بيان ماخذ هؤلاء فيسمى بالخلافيات ولا بد لصاحبه من معرفة القواعد التي يتوصل بها الى استنباط الاحكام كما يحتاج إليها المجتهد الا ان المجتهد يحتاج إليها للاستنباط وصاحب الخلاف يحتاج إليها لحفظ تلك المسائل من ان يهدمها المخالف بادلته وهو علم جليل الفائدة وكتب الحنفية والشافعية أكثر من تآليف المالكية لان أكثرهم أهل المغرب وهو بادية وللغزالي فيه كتاب التلخيص جلبة من المشرق ولأبي زيد الدبوسي كتاب التعليقة ولابن القصار من المالكية عيون الامام انتهى ومن الكتب المؤلفة أيضا المنظومة النسفية وخلافيات الامام الحافظ أبي بكر احمد بن الحسين بن علي البيهقي المتوفى سنة 458 ثمان وخمسين وأربعمائة جمع فيه المسائل الخلافية بين الشافعي وأبي … .

إيثار الحق على الخلق ج: 1 ص: 18

وأعجب من كل عجيب تكفير بعضهم لبعض بسبب الإختلاف في هذه المحارات الخالية من ذلك كله وقد قال الله تعالى بعد الأمر بوفاء الكيل والوزن لا نكلف نفسا إلا وسعها مع وضوح الوفاء فيهما وامكان الإحتياط فكيف حيث يدق ويتعذر فيه الإحتياط لكن قد يمكن أن لا يسامحوا في ذلك من جهة أن الضرورة بل الحاجة لم تدع إليه كالوزن هذا مع ما في التكفير للمخطئ في هذه الدقائق من المفسدة وذلك عدم جسرة الناظر على المخالفة لأنها صارت مثل الردة من الدين ولولا ذلك لاتضح كثير من الدقائق فإن أوائل أهل علم الكلام لابد أن يقصروا كما هو العادة الدائمة في كل من ابتدأ ما لم يسبق إليه فلما كفروا المخالف كتم بعضهم المخالفة وتكلف بعضهم الموافقة بالتأويل البعيد وفسد الاكثرون وقد ذكر نحو هذا في دلائل اعجاز القرآن أنه أسلوب مبتدأ جاء على الكمال فخرق العادات بذلك على أن في علم الكلام من الخطر ما لا يتعرض له حازم بعد معرفته وذلك ما ذكره السيد المؤيد بالله فانه ذكر في أواخر كتابه ما ذكره في الزيادات ما لفظه, فصل فيما يجب على العامي والمستفتي. قال : والأولى عندي ترك الخوض فيما لا تمس الحاجة إلى معرفته من علم الكلام لأن الصحيح من المذهب أن الجهل قبيح ويجوز أن يصيره إلى حالة يستحق صاحبها الخلود في النار وهذا غير مأمون لو نظر في مسألة من الكلام.

فتح القدير ج: 1 ص: 213

قوله » كان الناس أمة واحدة« أي كانوا على دين واحد فاختلفوا فبعث الله النبيين ويدل على هذا المحذوف أعني قوله فاختلفوا قراءة ابن مسعود فإنه قرأ » كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين « واختلف في الناس المذكورين في هذه الآية من هم فقيل هم بنو آدم حين أخرجهم الله نسما من ظهر آدم وقيل آدم وحده وسمى ناسا لأنه أصل النسل وقيل آدم وحواء وقيل المراد القرون الأولى التي كانت بين آدم ونوح وقيل المراد نوح ومن في سفينته وقيل معنى الآية كان الناس أمة واحدة كلهم كفار فبعث الله النبيين وقيل المراد الإخبار عن الناس الذين هم الجنس كله أنهم كانوا أمة واحدة في خلوهم عن الشرائع وجهلهم بالحقائق لولا أن الله من عليهم بإرسال الرسل والأمة مأخوذة من قولهم أممت الشيء أي قصدته أي مقصدهم واحد غير مختلف قوله فبعث الله النبيين قيل جملتهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا والرسل منهم ثلثمائة وثلاثة عشر وقوله مبشرين ومنذرين بالنصب على الحال قوله وأنزل معهم الكتاب أي الجنس وقال ابن جرير الطبري إن الألف واللام للعهد والمراد التوراة وقوله ليحكم مسند إلى الكتاب في قول الجمهور وهو مجاز مثل قوله تعالى هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق وقيل إن المعنى ليحكم كل نبي بكتابه وقيل ليحكم الله والضمير في قوله فيه الأولى راجع إلى ما في قوله فيما اختلفوا فيه والضمير في قول وما اختلف فيه يحتمل أن يعود إلى الكتاب ويحتمل أن يعود إلى المنزل عليه وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم قاله الزجاج ويحتمل أن يعود إلى الحق وقوله إلا الذين أوتوه أي أوتوا الكتاب أو أوتوا الحق أو أوتوا النبي أي أعطوا علمه وقوله بغيا بينهم منتصب على أنه مفعول به أي لم يختلفوا إلا للبغي أي الحسد والحرص على الدنيا وفي هذا تنبيه على السفه في فعلهم والقبيح الذي وقعوا فيه لأنهم جعلوا نزول الكتاب سببا في شدة الخلاف وقوله فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق أي فهدى الله أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحق وذلك بما بينه لهم في القرآن من اختلاف من كان قبلهم وقيل معناه فهدى الله أمة محمد للتصديق بجميع الكتب بخلاف من قبلهم فإن بعضهم كذب كتاب بعض وقيل إن الله هداهم إلى الحق من القبلة وقيل هداهم ليوم الجمعة وقيل هداهم لاعتقاد الحق في عيسى بعد أن كذبته اليهود وجعلته النصارى ربا وقيل المراد بالحق الإسلام وقال الفراء إن في الآية قلبا وتقديره فهدى الله الذين آمنوا بالحق لما اختلفوا فيه واختاره ابن جرير وضعفه ابن عطية وقوله بإذنه قال الزجاج معناه بعلمه .

تفسير الجلالين ج: 1 ص: 44

كان الناس أمة واحدة على الإيمان فاختلفوا بأن آمن بعض وكفر بعض فبعث الله النبيين إليهم مبشرين من أمن بالجنة ومنذرين من كفر بالنار وأنزل معهم الكتاب بمعنى الكتب بالحق متعلق بأنزل ليحكم به بين الناس فيما اختلفوا فيه من الدين وما اختلف فيه أي الدين إلا الذين أوتوه أي الكتاب فآمن بعض وكفر بعض من بعد ما جاءتهم البينات الحجج الظاهرة على التوحيد ومن متعلقة باختلف وهي وما بعدها مقدم على الاستثناء في المعنى بغيا من الكافرين بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من للبيان الحق بإذنه بإرادته والله يهدي من يشاء هدايته إلى صراط مستقيم طريق الحق

تفسير النسفي ج: 1 ص: 102

وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا أو كان الناس أمة واحدة كفارا فبعث الله النبيين فاختلفوا عليهم والأول الأوجه مبشرين بالثواب للمؤمنين ومنذرين بالعقاب للكافرين وهما حالان وأنزل معهم الكتاب أى مع كل واحد منهم كتابه بالحق بتبيان الحق ليحكم الله او الكتاب اوالنبى المنزل عليه بين الناس فيما اختلفوا فيه فى دين الإسلام الذى اختلفوا فيه بعد الاتفاق وما اختلف فيه فى الحق إلا الذين أوتوه أى الكتاب المنزل لإزالة الاختلاف أي ازدادوا في الاختلاف لما أنزل عليهم الكتاب من بعد ما جاءتهم البينات على صدقه بغيا بينهم مفعول له أى حسدا بينهم وظلما لحرصهم على الدنيا وقلة إنصاف منهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه أى هدى الله الذين آمنوا للحق الذى اختلف فيه من اختلف فيه من الحق بيان لما اختلفوا فيه بإذنه بعلمه والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم

كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير ج: 12 ص: 6

قال تعالى : كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه. والاختلاف نوعان اختلاف فى تنزيله واختلاف فى تأويله والمختلفون الذين ذمهم الله هم المختلفون فى الحق بأن ينكر هؤلاء الحق الذى مع هؤلاء أو بالعكس فإن الواجب الإيمان بجميع الحق المنزل فاما من آمن بذلك وكفر به غيره فهذا اختلاف يذم فيه أحد الصنفين كما قال تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض إلى قولهولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر والاختلاف فى تنزيله أعظم وهو الذى قصدنا هنا فنقول الإختلاف فى تنزيله هو بين المؤمنين والكافرين فإن المؤمنين يؤمنون بما أنزل والكافرون كفروا بالكتاب وبما ارسل الله به رسله فسوف يعلمون فالمؤمنون بجنس الكتاب والرسل من المسلمين واليهود والنصارى والصابئين يؤمنون بذلك والكافرون بجنس الكتاب والرسل من المشركين والمجوس والصابئين يكفرون بذلك وذلك أن الله أرسل الرسل إلى الناس لتبلغهم كلام الله الذي أنزله إليهم فمن آمن بالرسل آمن بما بلغوه عن الله ومن كذب بالرسل كذب بذلك فالإيمان بكلام الله داخل فى الإيمان برسالة الله إلى عباده والكفر بذلك هو الكفربهذا فتدبر هذا الأصل فإنه فرقان هذا الاشتباه ولهذا كان من يكفر بالرسل تارة يكفر بأن الله له كلام أنزله على بشر كما أنه قد يكفر برب العالمين مثل فرعون وقومه قال الله تعالى أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذرالناس الآية وقال تعالى عن نوح وهود أوعجبتم ان جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم وقال وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شىء إلى آخر الكلام.

كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير ج: 12 ص: 341

فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون منيبين اليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون. وقال تعالى : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا اليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبى اليه من يشاء ويهدى اليه من ينيب وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضى بينهم وان الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب

كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير ج: 12 ص: 465

قال تعالى : كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه. وقال تعالى : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا. وقال تعالى : وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله. بل على الناس أن يلتزموا الأصول الجامعة الكلية التي اتفق عليها سلف الأمة وأئمتها فيؤمنون بما وصف الله به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل وليس لأحد ان يكفر أحدا من المسلمين وان أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك بل لا يزول الا بعد إقامة الحجة وازالة الشبهة. وأما تكفير قائل هذا القول فهو مبنى على أصل لا بد من التنبيه عليه فإنه بسبب عدم ضبطه اضطربت الأمة اضطرابا كثيرا في تكفير أهل البدع والأهواء كما اضطربوا قديما وحديثا في سلب الايمان عن أهل الفجور والكبائر وصار كثير من أهل البدع مثل الخوارج والروافض والقدرية والجهمية والممثلة يعتقدون اعتقادا هو ضلال يرونه هو الحق ويرون كفر من خالفهم في ذلك فيصير فيهم شوب قوي من أهل الكتاب في كفرهم بالحق وظلمهم للخلق ولعل اكثر هؤلاء المكفرين يكفر بالمقالة التي لا تفهم حقيقتها ولا تعرف حجتها وبإزاء هؤلاء المكفرين بالباطل أقوام لا يعرفون اعتقاد أهل السنة والجماعة كما يجب أو يعرفون بعضه ويجهلون بعضه وما عرفوه منه قد لا يبينونه للناس بل يكتمونه ولا ينهون عن البدع المخالفة للكتاب والسنة ولا يذمون أهل البدع ويعاقبوهم بل لعلهم يذمون الكلام في السنة وأصول الدين ذما مطلقا لا يفرقون فيه بين ما دل عليه الكتاب والسنة والاجماع وما يقوله أهل البدعة والفرقة أو يقرون الجميع على مذاهبهم المختلفة كما يقر العلماء في مواضع الاجتهاد التي يسوغ فيها النزاع وهذه الطريقة قد تغلب على كثير من المرجئة وبعض المتفقهة والمتصوفة والمتفلسفة كما تغلب الأولى على كثير من أهل الأهواء والكلام وكلا هاتين الطريقتين منحرفة خارجة عن الكتاب والسنة وإنما الواجب بيان ما بعث الله به رسله وأنزل به كتبه وتبليغ ما جاءت به الرسل عن الله والوفاء بميثاق الله الذي أخذه على العلماء فيجب أن يعلم ما جاءت به الرسل ويؤمن به ويبلغه ويدعو إليه .

كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير ج: 16 ص: 490

كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين و أنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ثم قال و ما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما إختلفوا فيه من الحق بإذنه و الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فأخبر أن الله هدى المؤمنين لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه فكان الإختلاف قبل و جود أمة محمد صلى الله عليه و سلم. و قال تعالى : إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه و إن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. و قال تعالى : و لقد بوأنا بنى إسرائيل مبوأ صدق و رزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. ثم قال تعالى : فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسئل الذين يقرأون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين. و قال تعالى : تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهما لشيطان أعمالهم فهو و ليهم اليوم و لهم عذاب أليم و ما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه و هدى و رحمة لقوم يؤمنون. فقد أخبر تعالى أنه أرسل إلى أمم من قبل محمد و أن الشيطان زين لهم أعمالهم و هو حين يبعث محمد و ليهم و أنه أنزل إليهم الكتاب ليبين لهم الذي اختلفوا فيه. و قال تعالى : إن هذا القرآن يقص على بنى إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون و إنه لهدى و رحمة للمؤمنين. و قال لأمة محمد : و لا تكونوا كالذين تفرقوا و اختلفوا من بعد ما جاءهم البينات و أولئك لهم عذاب عظيم. فهذا بين أنهم تفرقوا و اختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات قبل محمد و قد نهى الله أمته أن يكونوا مثلهم ; و قد قال تعالى : و من الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة و البغضاء إلى يوم القيامة. و قال عن اليهود : و ألقينا بينهم العداوة و البغضاء إلى يوم القيامة. وقال : و قطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون و منهم دون ذلك. و قد جاءت الأحاديث فى السنن و المسند من و جوه عن النبى صلى الله عليه و سلم أنه قال تفرقت اليهود على إحدى و سبعين فرقة و ستفترق هذه الأمة على ثلاث و سبعين فرقة و إن كان بعض الناس كابن حزم يضعف هذه الأحاديث فأكثر أهل العلم قبلوها و صدقوها

كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير ج: 16 ص: 492

وفى الصحيحين عن النبى صلىالله عليه و سلم أنه قال ذرونى ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم و إختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه و إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما إستطعتم و فى الصحيحين عنه أنه قال نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا و أوتيناه من بعدهم فهذا يومهم الذي إختلفوا فيه فهدانا الله له الناس لنا فيه تبع غدا لليهود و بعد غد للنصارى و هذا معلوم بالتواتر أن أهل الكتاب إختلفوا و تفرقوا قبل إرسال محمد صلى الله عليه و سلم بل اليهود إفترقوا قبل مجيء المسيح ثم لما جاء المسيح إختلفوا فيه ثم إختلف النصارى إختلافا آخر فكيف يقال أن قوله و ما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة هو فيمن لم يؤمن بمحمد منهم و أيضا فالذين كفروا بمحمد كفار و هم المذكورون في قوله لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة و هم تفرقوا و اختلفوا فيما جاءت به الأنبياء قبل محمد و كفر من كفر منهم قبل إرسال محمد و كان منهم من لم يكفر بل كان مؤمنا بالأنبياء كما قال تعالى : و من قوم موسى أمة يهدون بالحق و به يعدلون و قطعناهم فى الأرض أمما منهم الصالحون و منهم دون ذلك. و قال تعالى : ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل و هم يسجدون يؤمنون بالله و اليوم الآخر و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يسارعون فى الخيرات و أولئك من الصالحين. و قال تعالى : و لو أنهم أقاموا التوراة و الإنجيل و ما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة و كثير منهم ساء ما يعملون. و فى صحيح مسلم و غيره عن عياض بن حمار عن النبى صلى الله عليه و سلم أنه قال : إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم و عجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب و أن ربى قال لي قم فى قريش فأنذرهم فقلت أي رب إذا يثلغوا رأسي حتى يدعوه خبزة فقال إنى مبتليك و مبتل بك و منزل عليك كتابا لا يغسله الماء تقرأه نائما و يقظانا فابعث جندا نبعث مثليهم و قاتل بمن أطاعك من عصاك و الحديث أطول من هذاو المقصود هنا الكلام على الآية فنقول القول الثالث و هو أصح الأقوال لفظا و معنى أما من جهة اللفظ و دلالته و بيانه فإن هذا اللفظ هو مستعمل فيما يلزم به الإنسان يعنى إختياره و يقهر عليه إذا تخلص منه يقال إنفك منه كالأسير و الرقيق المقهور بالرق و الأسر يقال فككت الأسير فإنفك و فككت الرقبة قال تعالى و ما أدراك ما العقبة فك رقبة و قال النبى صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عودوا المريض و أطعموا الجائع و فكوا العانى و فى الصحيح أيضا أن عليا لما سئل عما في الصحيفة فقال فيها العقل و فكاك الأسير و أن لا يقتل مسلم بكافر ففكه فصله عمن يقهره و يستولى عليه بغير إختياره و التفريق بينهما و يقال فلان ما يفك فلانا حتى يوقعه فى كذا و كذا و المتولي لا يفك هذا حتى يفعل كذا يقال لمن لزم غيره و استولى عليه إما بقدرة و قهر و إما بتحسين و تزيين و أسباب حتى يصير بها مطيعا له.

كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير ج: 16 ص: 514

الإختلاف في كتاب الله نوعان أحدهما يذم فيه المختلفين كلهم كقوله و إن الذين إختلفوا فى الكتاب لفى شقاق بعيد و قوله و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك و الثاني يمدح المؤمنين و يذم الكافرين كقوله و لو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات و لكن إختلفوا فمنهم من آمن و منهم من كفر و لو شاء

كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير ج: 16 ص: 515

الله ما إقتتلوا و لكن الله يفعل ما يريد و قوله هذان خصمان إختصموا فى ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار إلى قوله إن الله يدخل الذين آمنوا و عملوا الصالحات و قوله إن الذين آمنوا و الذين هادوا و الصابئين و النصارى و المجوس و الذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد وإذا كان كذلك فالذي ذمه من تفرق أهل الكتاب و إختلافهم ذم فيه الجميع و نهى عن التشبه بهم فقال و لا تكونوا كالذين تفرقوا و اختلفوا من بعد ما جاءهم البينات و قال و ما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم و ذلك بأن تؤمن طائفة ببعض حق و تكفر بما عند الأخرى من الحق و تزيد فى الحق باطلا كما إختلف اليهود و النصارى فى المسيح و غير ذلك و حينئذ نقول من قال إن أهل الكتاب ما تفرقوا فى محمد إلا من بعد ما بعث إرادة إيمان بعضهم و كفر بعضهم كما قاله طائفة فالمذموم هنا من كفر لا من آمن فلا يذم كل المختلفين و لكن يذم من كان يعرف أنه رسول فلما جاء كفر به حسدا أو بغيا كما قال تعالى و لما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم و كانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ن فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين وإن أريد بالتفرق فيه أنهم كلهم كفروا به و تفرقت أقوالهم فيه فليس الأمر كذلك و قد بين القرآن فى غير موضع أنهم تفرقوا و اختلفوا قبل إرسال محمد صلى الله عليه و سلم فإختلاف هؤلاء و تفرقهم في محمد صلى الله عليه و سلم هو من جملة ما تفرقوا و إختلفوا فيه و الله أعلم.

Partager cet article
Repost0
16 juin 2007 6 16 /06 /juin /2007 17:53

arabesque3.gif

   

تفسير البغوي ج: 3 ص: 162

سورة الكهف من الآية 34 وحتى الآية 39 : وكان له ; لصاحب البستان ثمر قرأ عاصم وأبو جعفر ويعقوب : ثمر بفتح التاء والميم وكذلك بثمرة. وقرأ أبو عمرو بضم التاء وساكنة الميم. وقرأ الآخرون بضمهما. فمن قرأ بالفتح هو جمع ثمرة وهو ما تخرجه الشجرة من الثمار المأكولة. ومن قرأ بالضم فهي الأموال الكثيرة المثمرة من كل صنف جمع ثمار. وقال مجاهد ذهب وفضة. وقيل جميع الثمرات. قال الأزهري الثمرة تجمع على ثمر ويجمع الثمر على ثمار ثم تجمع الثمار على ثمر. فقال يعني صاحب البستان لصاحبه المؤمن وهو يحاوره يخاطبه ويجاوبه : أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا أي عشيرة ورهطا. وقال قتادة خدما وحشما وقال مقاتل ولدا, تصديقه قوله تعالى : إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا. ودخل جنته, يعني الكافر أخذ بيد أخيه المسلم يطوف به فيها ويريه أثمارها وهو ظالم لنفسه بكفره. قال : ما أظن أن تبيد تهلك هذه أبدا. قال أهل المعاني راقه حسنها وغرته زهرتها فتوهم أنها لا تفنى أبدا وأنكر البعث فقال : وما أظن الساعة قائمة كائنة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا. قرأ أهل الحجاز والشام هكذا على التثنية يعني من الجنتين وكذلك هو في مصاحفهم وقرأ الآخرون منها أي من الجنة التي دخلها منقلبا أي مرجعا. إن قيل كيف قال ولئن رددت إلى ربي وهو منكر البعث, قيل معناه ولئن رددت إلى ربي على ما تزعم أنت تعطاني هنالك خيرا منها, فإنه لم يعطني هذه الجنة في الدنيا إلا ليعطيني في الآخرة أفضل منها.   قال له صاحبه المسلم وهو يحاوره : أكفرت بالذي خلقك من تراب أي خلق أصلك من تراب ثم خلقك من نطفة ثم سواك رجلا أي عدلك بشرا سويا ذكرا. لكنا هو الله ربي قرأ ابن عامر ويعقوب : لكنا بالألف في الوصل وقرأ الباقون بلا ألف. واتفقوا على إثبات الألف في الوقف. وأصله لكن أنا فحذفت الهمزة طلبا للتخفيف لكثرة استعمالها ثم أدغمت إحدى النونين في الأخرى. قال الكسائي فيه تقديم وتأخير مجازه : لكن الله هو ربي ولا أشرك بربي أحدا.

سورة الكهف من الآية 40 وحتى الآية 44 ولولا إذ دخلت جنتك أي هلا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله أي الأمر ما شاء الله. وقيل جوابه مضمر أي ما شاء الله كان وقوله لا قوة إلا بالله أي لا أقدر على حفظ مالي أو دفع شيء عنه إلا بالله. وروي عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان إذا رأى من ماله شيئا يعجبه أو دخل حائطا من حيطانه قال ما شاء الله لا قوة إلا بالله. ثم قال : إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا, أنا عماد ولذلك نصب أقل. معناه إن ترني أقل منك مالا وولدا فتكبرت وتعاظمت علي فعسى ربي فلعل ربي أن يؤتين يعطيني في الآخرة خيرا من جنتك ويرسل عليها أي على جنتك حسبانا. قال قتادة عذابا وقال ابن عباس رضي الله عنه نارا وقال القتيبي مرامى من السماء وهي مثل صاعقة أو شيء يهلكها واحدتها حسبانة فتصبح صعيدا زلقا أي أرضا جرداء ملساء لا نبات فيها وقيل تزلق فيها الأقدام وقال مجاهد رملا هائلا أو يصبح ماؤها غورا أي غائرا منقطعا ذاهبا لا تناله الأيدي ولا الدلاء. والغور مصدر وضع موضع الاسم مثل زور وعدل. فلن تستطيع له طلبا يعني إن طلبته لم تجده. وأحيط بثمره أي أحاط العذاب بثمر جنته وذلك أن الله تعالى أرسل عليها نارا فأهلكتها وغار ماؤها, فأصبح صاحبها الكافر يقلب كفيه أي يصفق بيده على الأخرى ويقلب كفيه ظهرا لبطن تأسفا وتلهفا على ما أنفق فيها وهي خاوية أي ساقطة على عروشها سقوفها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا. قال الله تعالى ولم تكن له فئة جماعة ينصرونه من دون الله يمنعونه من عذاب الله وما كان منتصرا ممتنعا منتقما لا يقدر على الانتصار لنفسه. وقيل لا يقدر على رد ما ذهب عنه. هنالك الولاية لله الحق يعني في القيامة. قرأ حمزة والكسائي : الولاية بكسر الواو يعني السلطان وقرأ الآخرون بفتح الواو من الموالاة والنصر كقوله تعالى : الله ولي الذين آمنوا. قال القتيبي يريد أنهم يتلونه يومئذ ويتبرؤون مما كانوا يعبدون. وقيل بالفتح الربوبية وبالكسر الإمارة. الحق برفع القاف أبو عمرو والكسائي على نعت الولاية وتصديقه قراءة أبي هنالك الولاية

الحق لله. وقرأ الآخرون بالجر على صفة الله كقوله تعالى : ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق هو خير ثوابا, أفضل جزاء لأهل طاعته لو كان غيره يثيب. وخير عقبا أي عاقبة طاعته خير من عاقبة طاعة غيره فهو خير إثابة وعاقبة طاعة قرأ حمزة وعاصم عقبا ساكنة القاف وقرأ الآخرون بضمها.

تفسير النسفي ج: 3 ص: 14

 الكهف 3934    كانت له إلى الجنتين الموصوفتين الأموال الكثيرة من الذهب والفضة وغيرهما هاله ثمر وأحيط بثمره بفتح الميم والثاء عاصم وبضم الثاء وسكون الميم أبو عمرو وبضمهما غيرهما فقال لصاحبه وهو يحاوره يراجعه الكلام من حار يحور إذا رجع يعني أخذ بيد المسلم يطوف به في الجنتين ويريه ما فيهما ويفاخره بما ملك من المال دونه. أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا أنصارا وحشما أو أولادا ذكورا لأنهم ينفرون معه دون الاناث. ودخل جنته إحدى جنتيه أو سماهما جنة لا تحاد الحائط وجنتين للنهر الجاري بينهما وهو ظالم لنفسه ضار لها بالكفر قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا أي أن تهلك هذه الجنة شك في بيدودة جنته لطول أمله وتمادى غفلته واغتراره بالمهلة. وترى أكثر الأغنياء من المسلمين تنطق ألسنة أحوالهم بذلك. وما أظن الساعة قائمة كائنة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا, إقسام منه على أنه إن رد إلى ربه على سبيل الفرض كما يزعم صاحبه ليجدن في الآخرة خيرا من جنته في الدنيا ادعاء لكرامته عليه ومكانته عنده منقلبا تمييز أي مرجعا وعاقبة   قال له صاحبه   وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب أي خلق أصلك لأن خلق أصله سبب في خلقه وكان خلقه خلقا له, ثم من نطفة أي خلقك من نطفة ثم سواك رجلا عدلك وكملك انسانا ذكرا بالغا مبلغ الرجال جعله كافرا بالله لشكه في البعث لكنا بالألف في الوصل شامي الباقون بغير ألف وبالألف في الوقف اتفاق واصله لكن أنا فحذفت الهمزة وألقيت حركتها على نون لكن فتلاقت النونان فأدغمت الأولى في الثانية بعد أن سكنت هو الله ربي هو ضمير الشأن والشأن الله ربي والجملة خبر أنا والراجع منها إليه ياء الضمير وهو استدراك لقوله أكفرت قال لاخيه أنت كافر بالله لكني مؤمن وموحد كما تقول زيد غائب لكن عمرا حاضر وفيه حذف أي أقول هو الله بدليل عطف ولا أشرك بربي أحداولولا وهلا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله ما موصولة مرفوعة المحل على أنها خبر متبدأ محذوف تقديره الأمر ماشاء الله أو شرطية منصوبة الموضع والجزاء محذوف يعني أي شيء شاء الله كان والمعنى هلا قلت عند دخولها والنظر إلى ما رزقك الله منها الأمر ما شاء الله اعترافا بأنها وكل ما فيها إنما حصل بمشيئته الله وأن أمرها بيده إن شاء تركها عامرة وإن شاء خربها لا قوة إلا بالله إقرارا بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها هو بمعونته وتأييده 15

 الكهف 4339    من قرأ أن ترن أنا أقل منك مالا بنصب أقل فقد جعل أنا فصلا ومن رفع وهو الكسائي جعله مبتدأ وأقل خبره والجملة مفعولا ثانيا لترني وفي قوله وولدا نصرة لمن فسر النفر بالأولاد في قوله وأعز نفرا فعسى ربي ان يؤتيني خيرا من جنتك في الدنيا أو في العقبى ويرسل عليها حسبانا عذابا من السماء فتصبح صعيدا زلقا أرضا بيضاء يزلق عليها لملاستها أو يصبح ماؤها غورا غائرا أي ذاهبا في الأرض فلن تستطيع له طلبا فلا يتأنى منك طلبه فضلا عن الوجود والمعنى ان ترن افقر منك فانا أتوقع من صنع الله ان يقلب ما بي وما بك من الفقر والغنى فيرزقني لإيماني جنة خيرا من جنتك ويسلبك لكفرك نعمته ويخرب بساتينك وأحيط بثمره هو عبارة عن إهلاكه واصله من أحاط به العدو لأنه إذا أحاط به فقد ملكه واستولى عليه ثم استعمل في كل أهلاك فأصبح أي كافر يقلب كفيه يضرب احداهما على الأخرى ندما وتحسرا وإنما صار تقليب الكفين كناية عن الندم والتحسر لأن النادم يقلب كفيه ظهر البطن كما كنى عن ذلك بعض الكف والسقوط في اليد ولانه في معنى الندم عدى تعديته بعلي كانه قيل فأصبح يندم على ما انفق فيها أي في عمارتها وهي خاوية على عروشها يعني أن كرومها المعرشة سقطت عروشها عل الأرض وسقطت فوقها الكروم ويقول يا ليتني لم اشرك بربي أحدا تذكر موعظة أخيه فعلم أنه أتى من جهة كفره وطغيانه فتمنى لو لم يكن مشركا حتى لا يهلك الله بستانه حين لم ينفعه التمني ويجوز أن يكون توبة من الشرك وندما على ما كان منه ودخولا في الإيمان ولم تكن له فئة ينصرونه يقدرون على نصرته من دون الله أي هو وحده القادر على نصرته لا يقدر أحد غيره أن ينصره إلا أنه لم ينصره لحكمة. ما كان منتصرا وما كان ممتنعا بقوته عن انتقام الله. هنالك الولاية لله الحق يكن بالياء والولاية بكسر الواو حمزة وعلى فهي بالفتح النصرة والتولي وبالكسر السلطان والملك والمعنى هنالك أي في ذلك المقام وتلك الحال النصرة لله وحده لا يملكها غيره ولا يستطيعها أحد سواه تقريرا لقوله ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله أو هنالك السلطان والملك لله لا يغلب أو في مثل تلك الحال الشديدة يتولى الله ويؤمن به كل مضطر يعني أن قوله يا ليتني لم أشرك بربي أحدا كلمة ألجيء اليها فقالها جزعا مما دهاه من شؤم كفره ولولا ذلك لم يقلها أو هنالك الولاية لله ينصر فيها اولياء المؤمنين على الكفرة

وينتقم لهم يعني أنه نصر فيما فعل بالكافر اخاه المؤمن وصدق قوله فعسى ربي ان يؤتيني خيرا من جنتك ويرسل عليها حسانا من السماء ويؤيده قوله هو خير ثوابا وخير عقبا أي لأوليائه أو هنالك إشارة إلى الآخرة أي في تلك الدار الولاية لله كقوله لمن الملك اليوم الحق بالرفع أبو عمرو وعلى صفة للولاية او خبر مبتدأ محذوف أي هي الحق أو هو الحق غيرهما بالجر صفة لله عقبا سكون القاف عاصم وحمزة وبضمها غيرهما وفي الشواذ عقبي على وزن فعلى وكلها بمعنى العاقبة .

تفسير النسفي ج: 4 ص: 222

 سورة المجادلة مدنية وهي اثنتان وعشرون آية : بسم الله الرحمن الرحيم قد سمع الله قول التي   تجادلك   تحاورك وقرئ بها وهي خولة بنت ثعلبة امرأة أوس ابن الصامت اخي عبادة رآها وهي تصلي وكانت حسنة الجسم فلما سلمت رأودها فأبت فغضب فظاهر منها فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ان اوسا تزوجني وأنا شابة مرغوب في فلما خلا سني ونثرت بطني أي كثر ولدى جعلني عليه كأمه. وروى أنها قالت ان لي صبية صغارا إن ضممتهم اليه ضاعوا وان ضممتهم إلى جاعوا. فقال صلى الله عليه وسلم : ما عندي في أمرك شيء. وروى انه قال لها : حرمت عليه فقالت : يا رسول الله ما ذكر طلاقا و انما هو ابو ولدي وأحب الناس الى. فقال : حرمت عليه ; فقالت : اشكوا إلى الله فاقتى ووجدي . كلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمت عليه, هتفت وشكت. فنزلت في زوجها, في شأنه, ومعناه وتشتكي إلى الله, تظهر ما بها من الكروب والله يسمع تحاوركما مراجعتكما الكلام من حار اذا رجع. ان الله سمع يسمع شكوى المضطر بصير بحاله الذين يظاهرون عاصم يظهرون حجازي وبصرى غيرهم يظاهرون وفي منكم توبيخ للعرب لأنه كان من أيمان أهل جاهليتهم خصه دون سائر الأمم من نسائهم زوجاتهم. ما هن امهاتهم, أمهاتهم الفضل الأول حجازي والثاني تميمي. ان أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم. يريدان الامهات على الخفيفة الوالدات والمرضعات ملحقات بالوالدات بواسطة الرضاع وكذا ازواج رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيادة حرمتهن. وأما

فابعد شيء من الأمومة فلذا قال وانهم ليقولون منكرا من القول تنكره الحقيقة والاحكام الشرعية وزورا وكذبا باطلا منحرفا عن الحق. وان الله لعفو غفور لما سلف منهم والذين يظاهرون من نسائهم بين في الآية الأولى أن ذلك من قائله منكر وزور و بين في الثانية حكم الظهار. ثم يعودون لما قالوا : العود الصيرورة ابتداء أو بناء فمن الأول قوله تعالى حتى عاد كالعرجون القديم ومن الثاني وان عدتم عدنا. ويعدى بنفسه كقولك عدته اذا اتيته وصرت اليه وبحرف الجر بالي وعلى وفي واللام كقوله ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ومنه ثم يعودون لما قالوا أي يعودون لنقض ما قالوا أو تداركه على حذف المضاف وعن ثعلبة يعودون لتحليل ما حرموا على حذف المضاف أيضا. غير أنه اراد بما قالوا ما حرموه على أنفسهم بلفظ الظهار تنزيلا للقول منزلة المقول فيه كقوله ونرثه ما يقول أراد المقول فيه وهو المال والولد .ثم اختلفوا ان النقض بماذا يحصل ; فعندنا بالعزم على الوطء وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة وعند الشافعي بمجرد الامساك وهو ان لا يطلقها عقيب الظهار, فتحرير رقبة فعليه اعتاق رقبة مؤمنة او كافرة ولم يجز المدبر وأم الولد المكاتب الذي أدى شيئا من قبل أن يتماسا لضمير يرجع الى ما دل عليه الكلام من المظاهر والمظاهر منها والمماسة الاستمتاع بها من جماع أو لمس بشهوة او نظر إلى فرجها بشهوة ذلكم الحكم توعظون به لأن الحكم بالكفارة دليل على ارتكاب الجناية فيجب أن تتعظوا بهذا الحكم حتى لا تعودوا إلى الظهار وتخافوا عقاب الله عليه. والله بما تعملون خبير. والظهار أن يقول الرجل لامراته انت على كظهر امي ووضع موضع أنت عضوا منها يعبر به عن الجملة او مكان الظهر عضوا آخر يحرم النظر اليه من الام كالبطن والفخذ أو مكان الأم ذات رحم محرم منه بنسب أو رضاع أو صهر أو جماع نحو أن يقول أنت علي كظهر أختي من الرضاع أو عمتي من النسب أو أمرأة ابني أو أم امرأتي أو ابنتها فهو ظاهر واذا امتنع المظاهر من الكفارة للمرأة ان ترافعه وعلى القاضي ان يجبره على أن يكفر وان يحبسه ولا شيء من الكفارات يجبر عليه ويحبس الا كفارة الظهار لأنه يضربها في ترك التكفير والامتناع من الاستمتاع فان مس قبل ان يكفر استغفر الله ولا يعود حتى يكفر وان اعتق بعض الرقبة ثم مس عليه ان يستأنف عند ابي حنيفةرضي الله عنه فمن لم يجد القربة فصيام شهرين فعليه صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لا يستطع الصيام فاطعام فعليه اطعام ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع من برا وصاع من غيره ويجب أو يقدمه على المسيس ولكن لا يستأنف ان جامع في خلال الاطعام ذلك البيان والتعليم للاحكام لتؤمنوا لتصدقوا بالله ورسوله في العمل بشرائعه التي شرعها من الظهار وغيره ورفض ما كنتم

عليه في جاهليتكم وتلك أي الاحكام التي وصفنا في الظهار والكفارة حدود الله التي لا يجوز تعديها وللكافرين الذين لايتبعونها عذاب أليم مؤلم ان الذين يحادون الله ورسوله يعادون ويشاقون كبتوا أخزوا وأهلكوا كما كبت الذين من قبلهم من اعداء الرسل وقد أنزلنا آيات بينات تدل على صدق الرسول وصحة ما جاء به وللكافرين بهذه الآيات عذاب مهين يذهب بعزهم وكبرهم يوم يبعثهم

Partager cet article
Repost0
14 juin 2007 4 14 /06 /juin /2007 21:15

untitled.jpg

 
 
   

 

   

تفسير أبي السعود ج: 8 ص: 87

    وجعلنا لهم سمعا   وأبصارا وأفئدة ليستعملوها فيما خلقت له ويعرفوا بكل منها ما نيطت به معرفته من فنون النعم ويستدلوا بها على شؤون منعهما عز وجل ويداوموا على شكره. فما أغنى عنهم سمعهم حيث لم يستعملوه فى استماع الوحي ومواعظ الرسل ولا أبصارهم حيث لم يجتلوا بها الآيات التكوينية المنصوبة فى صحائف العلم ولا أفئدتهم حيث لم يستعملوها فى معرفة الله تعالى. من شئ أى شيئا من الإغناء ومن مزيدة للتأكيد وقوله تعالى إذ كانوا يجحدون بآيات الله متعلق بما أغنى وهو ظرف جرى مجرى التعليل من حيث إن الحكم مرتب على ما أضيف إليه فإن قولك أكرمته إذ أكرمنى فى قوة قولك أكرمته لإكرامه إذا أكرمته وقت إكرامه فإنما أكرمته فيه لوجود إكرامه فيه كذا الحال في حيث وحاق بهم ماكانوا به يستهزئون من العذاب الذى كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء.
تفسير الجلالين ج: 1 ص: 670

 ولقد مكناهم فيما في الذي إن نافية أو زائدة مكناكم يا أهل مكة فيه من القوة والمال   وجعلنا لهم سمعا   بمعنى أسماعا وأبصارا وأفئدة قلوبا فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء أي شيئا من الإغناء ومن زائدة إذ معمولة لأغنى وأشربت معنى التعليل كانوا يجحدون بآيات الله بحججه البينة وحاق نزل بهم ما كانوا به يستهزءون أي العذاب.

 

روح المعاني ج: 26 ص: 162

 لتعارفوا علة للجعل أي جعلناكم كذلك ليعرف بعضكم بعضا فتصلوا الأرحام وتبينوا الأنساب والتوارث لا لتفاخروا بالآباء والقبائل والحصر مأخوذ من التخصيص بالذكر والسكوت في معرض البيان وقرأ الأعمش لتتعارفوا بتاءين على الأصل ومجاهد وابن كثير في رواية وابن محيصن بإدغام التاء في التاء وابن عباس وأبان عن عاصم لتعرفوا بكسر الراء مضارع عرف قال ابن جني والمفعول محذوف أي لتعرفوا ما أنتم محتاجون إليه كقوله    وما علم الإنسان إلا ليعلما   أي لعلم ما علمه وما أعذب هذا الحذف وما أغربه لمن يعرف مذهبه واختير في المفعول المقدر قرابة بعضكم من بعض. وقوله تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم تعليل للنهي عن التفاخر بالأنساب المستفاد من الكلام بطريق الأستئناف الحقيقي, كأنه قيل إن الأكرم عند الله تعالى والأرفع منزلة لديه عز وجل في الآخرة والدنيا هو الأتقى فإن فاخرتم ففاخروا بالتقوى. وقرأ ابن عباس أن بفتح الهمزة على حذف لام التعليل, كأنه قيل لم لا تتفاخروا بالأنساب فقيل لأن أكرمكم عند الله تعالى أتقاكم لا أنسبكم فإن مدار كمال النفوس وتفاوت الأشخاص هو التقوى فمن رام نيل الدرجات العلا فعليه بها. وفي البحر أن ابن عباس قرأ لتعرفوا وأن أكرمكم بفتح الهمزة : فاحتمل أن يكون أن أكرمكم الخ معمولا لتعرفوا وتكون اللام في لتعرفوا لام الأمر وهو أجود من حيث المعنى .

 وأما أن كانت لام كي فلا يظهر المعنى إذ ليس جعلهم   شعوبا وقبائل   لأن يعرفوا أن أكرمهم عند الله تعالى أتقاهم فإن جعلت مفعولا لتعرفوا محذوفا, أي لتعرفوا الحق لأن أكرمكم عند الله أتقاكم ساغ في اللام أن تكون لام كي .أه. وهو كما ترى.   إن الله عليم بكم وبأعمالكم خبير بباطن أحوالكم.

تفسير القرطبي ج: 16 ص: 340

قوله تعالى يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى يعني آدم وحواء ونزلت الآية في أبي هند ذكره أبو داود في المراسيل حدثنا عمرو بن عثمان وكثير بن عبيد قالا حدثنا بقية بن الوليد قال حدثني الزهري قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني بياضة أن يزوجوا أبا هند امرأة منهم فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : نزوج بناتنا موالينا ! فأنزل الله عز وجل إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا الآية قال الزهري نزلت في أبي هند خاصة وقيل إنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وقوله في الرجل الذي لم يتفسح له ابن فلانة فقال النبي صلى الله عليه وسلم من الذاكر فلانة قال ثابت أنا يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم انظر في وجوه القوم فنظر فقال ما رأيت قال رأيت أبيض وأسود وأحمر فقال فإنك لا تفضلهم إلا بالتقوى فنزلت في ثابت هذه الآية ونزلت في الرجل الذي لم يتفسح له : يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس الآية. قال ابن عباس لما كان يوم فتح مكة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا حتى علا على ظهر الكعبة فأذن فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص الحمد لله الذي قبض أبي حتى لا يرى هذا اليوم. قال الحارث بن هشام ما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا وقال سهيل بن عمرو إن يرد الله شيئا يغيره وقال أبو سفيان إني لا أقول شيئا أخاف أن يخبر به رب السماء فأتي جبريل النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما قالوا فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا فأنزل الله تعالى هذه الآية زجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والازدراء بالفقراء فإن المدار على التقوى أي الجميع من آدم وحواء إنما الفضل بالتقوى.

بـيان حقيقة الكبر وآفته:

اعلم أنّ الكبر ينقسم إلى باطن وظاهر. فالباطن هو خلق في النفس، والظاهر هو أعمال تصدر عن الجوارح. واسم الكبر بالخلق الباطن أحق، وأما الأعمال فإنها ثمرات لذلك الخلق. وخلق الكبر موجب للأعمال ولذلك إذا ظهر على الجوارح يقال تكبر،  وإذا لم يظهر يقال في نفسه كبر. فالأصل هو الخلق الذي في النفس وهو الاسترواح والركون إلى رؤية النفس فوق المتكبر عليه فإن الكبر يستدعي متكبراً عليه ومتكبراً به، وبه ينفصل الكبر عن العجب ــــ كما سيأتي ــــ فإنّ العجب لا يستدعي غير المعجب بل لو لم يخلق الإنسان إلا وحده تصوّر أن يكون معجباً، ولا يتصوّر أن يكون متكبراً إلا أن يكون مع غيره وهو يرى نفسه فوق الغير في صفات الكمال، فعند ذلك يكون متكبراً، ولا يكفي أن يستعظم نفسه ليكون متكبراً فإنه قد يستعظم نفسه ولكنه يرى غيره أعظم من نفسه أو مثل نفسه فلا يتكبر عليه، ولا يكفي أن يستحقر غيره فإنه مع ذلك لو رأى نفسه أحقر لم يتكبر ولو رأى غيره مثل نفسه لم يتكبر، بل ينبغي أن يرى لنفسه مرتبة ولغيره مرتبة، ثم يرى مرتبة نفسه فوق مرتبة غيره، فعند هذه الاعتقادات الثلاث يحصل فيه خلق الكبر، لا أن هذه الرؤية تنفي الكبر، بل هذه الرؤية وهذه العقيدة تنفخ فيه، فيحصل في قلبه اعتداد وهزة وفرح وركون إلى ما اعتقده وعز في نفسه بسبب ذلك، فتلك العزة والهزة والركون إلى العقيدة هو خلق الكبر. ولذلك قال النبـي : «أَعُوذُ بِكَ مِنْ نَفْخَةِ الكِبْرِياءِ» ، وكذلك قال عمر: أخشى أن تنتفخ حتى تبلغ الثريا، للذي استأذنه أن يعظ بعد صلاة الصبح. فكأن الإنسان مهما رأى نفسه بهذه العين ــــ وهو الاستعظام ــــ كبر وانتفخ وتعزز.

فالكبر عبارة عن الحالة الحاصلة في النفس من هذه الاعتقادات، وتسمى أيضاً عزة وتعظماً، ولذلك قال ابن عباس في قوله تعالى: {إنْ في صُدُورِهِمْ إلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغيهِ} قال: عظمة لم يبلغوها، ففسر الكبر بتلك العظمة. ثم هذه العزة تقتضي أعمالاً في الظاهر والباطن هي ثمرات ويسمى ذلك تكبراً، فإنه مهما عظم عنده قدره بالإضافة إلى غيره حقر من دونه وازدراه  وينظر إلى العامة كأنه ينظر إلى الحمير استجهالاً لهم واستحقاراً.

والأعمال الصادرة عن خلق الكبر كثيرة وهي أكثر من أن تحصى فلا حاجة إلى تعدادها فإنها مشهورة. فهذا هو الكبر وآفته عظيمة وغائلته هائلة، وفيه يهلك الخواص من الخلق، وقلما ينفك عنه العباد والزهاد والعلماء فضلاً عن عوام الخلق، وكيف لا تعظم آفته، وقد قال : «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ؟» وإنما صار حجاباً دون الجنة لأنه يحول بـين العبد وبـين أخلاق المؤمنين كلها، وتلك الأخلاق هي أبواب الجنة، والكبر وعزة النفس يغلق تلك الأبواب كلها، لأنه لا يقدر على أن يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه وفيه شيء من العز، ولا يقدر على التواضع وهو رأس أخلاق المتقين وفيه العز، ولا يقدر على ترك الحقد وفيه العز، ولا يقدر أن يدوم على الصدق وفيه العز، ولا يقدر على ترك الغضب وفيه العز، ولا يقدر على كظم الغيظ وفيه العز، ولا يقدر على ترك الحسد وفيه العز، ولا يقدر على النصح اللطيف وفيه العز، ولا يقدر على قبول النصح وفيه العز، ولا يسلم من الازدراء بالناس ومن اغتيابهم وفيه العز. ولا معنى للتطويل فما من خلق ذميم إلا وصاحب العز والكبر مضطر إليه ليحفظ عزه، وما من خلق محمود إلا وهو عاجز عنه خوفاً من أن يفوته عزه، فمن هذا لم يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة منه. والأخلاق الذميمة متلازمة والبعض منها داع إلى البعض لا محالة. وشر أنواع الكبر ما يمنع من استفادة العلم وقبول الحق والانقياد له، وفيه وردت الآيات التي فيها ذم الكبر والمتكبرين. قال الله تعالى: {والمَلاَئِكَةُ بَاسِطُو أيْدِيهِمْ} إلى قوله: {وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} ثم قال: {اُدْخُلُوا أبْوابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى المُتَكَبِرينَ} ثم

 سأرفع فهم القرآن عن قلوبهم، وفي بعض التفاسير سأحجب قلوبهم عن الملكوت. وقال ابن جريج: سأصرفهم عن أن يتفكروا فيها ويعتبروا بها. ولذلك قال المسيح عليه السلام: إنّ الزرع ينبت في السهل ولا ينبت على الصفا، كذلك الحكمة تعمل في قلب المتواضع ولا تعمل في قلب المتكبر، ألا ترون أنّ من شمخ برأسه إلى السقف شجه، ومن طأطأ أظله وأكنه. فهذه مثل ضربه للمتكبرين وأنهم كيف يحرمون الحكمة، ولذلك ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم جحود الحق في حد الكبر والكشف عن حقيقته وقال: «مَنْ سَفِهَ الحَقَّ وَغَمَصَ النَّاسَ» .

بـيان المتكبر عليه ودرجاته وأقسامه وثمرات الكبر فيه:

اعلم أنّ المتكبر عليه هو الله تعالى أو رسله أو سائر خلقه، وقد خلق الإنسان ظلوماً جهولاً، فتارة يتكبر على الخلق، وتارة يتكبر على الخالق، فإذن التكبر باعتبار المتكبر عليه ثلاثة أقسام:

الأول: التكبر على الله؛ وذلك هو أفحش أنواع الكبر، ولا مثار له إلا الجهل المحض والطغيان مثل ما كان من نمروذ، فإنه كان يحدّث نفسه بأن يقاتل رب السماء، وكما يحكى عن جماعة من الجهلة. بل ما يحكى عن كل من ادعى الربوبـية مثل فرعون وغيره، فإنه لتكبره قال: أنا ربكم الأعلى، إذ استنكف أن يكون عبداً لله، ولذلك قال تعالى: {إنّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} وقال تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ المَسِيحُ أنْ يَكُونَ عَبْداً للَّهِ ولا المَلاَئِكَةُ المُقَرَّبُونَ} الآية. وقال تعالى: {وإذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا للرَّحْمٰن قَالُوا وَمَا الرَّحْمٰنُ أَنَسْجُدُ لمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً} .

القسم الثاني: التكبر على الرسل من حيث تعزز النفس وترفعها على الانقياد لبشر مثل سائر الناس؛ وذلك تارة يصرف عن الفكر والاستبصار فيبقى في ظلمة الجهل بكبره ..

  وقال الله تعالى: {واسْتَكْبَرَ هُوَ وجُنُودُهُ في الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ} فتكبر هو على الله وعلى رسله جميعاً. قال وهب: قال له موسى عليه السلام آمن ولك ملكك، قال: حتى أشاور هامان، فشاور هامان فقال هامان: بـينما أنت رب يعبد إذ صرت عبد تعبد فاستنكف عن عبودية الله وعن اتباع موسى عليه السلام. وقالت قريش فيما أخبر الله تعالى عنهم: {لَوْلاَ نُزلَ هَذا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظيمٍ} قال قتادة: عظيم القريتين هو الوليد بن المغيرة وأبو مسعود الثقفي، طلبوا من هو أعظم رئاسة من النبـي إذ قالوا غلام يتيم كيف بعثه الله إلينا؟ فقال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ} وقال الله تعالى: {لِيَقُولُوا أَهؤلاَءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَـيْنِنَا} أي استحقاراً لهم واستبعاداً لتقدّمهم. وقالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف نجلس إليك وعندك هؤلاء؟ وأشاروا إلى فقراء المسلمين فازدروهم بأعينهم لفقرهم، وتكبروا عن مجالستهم، فأنزل الله تعالى: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَداةِ والعَشِيِّ} إلى قوله: {ما عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ} وقال تعالى: {واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَداةِ والعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ولاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا} ثم أخبر الله تعالى عن تعجبهم حين دخلوا جهنم إذ لم يروا الذين ازدروهم فقالوا: {مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ} قيل: يعنون عماراً وبلالاً وصهيباً والمقداد رضي الله عنهم، ثم كان منهم من منعه الكبر عن الفكر والمعرفة، فجهل كونه محقاً، ومنهم من عرف ومنعه الكبر عن الاعتراف   

 فأما العبد المملوك الضعيف العاجز الذي لا يقدر على شيء فمن أين يليق بحاله الكبر؟ فمهما تكبر العبد فقد نازع الله تعالى في صفة لا تليق إلا بجلاله ومثاله: أن يأخذ الغلام قلنسوة الملك فيضعها على رأسه ويجلس على سريره، فما أعظم استحقاقه للمقت وما أعظم تهدفه للخزي والنكال وما أشد استجراءه على مولاه وما أقبح ما تعاطاه وإلى هذا المعنى الإشارة بقوله تعالى: «العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما قصمته». أي إنه خاص صفتي ولا يليق إلا بـي، والمنازع فيه منازع في صفة من صفاتي، وإذا كان الكبر على عباده لا يليق إلا به فمن تكبر على عباده فقد جنى عليه، إذ الذي يسترذل خواص غلمان الملك ويستخدمهم ويترفع عليهم ويستأثر بما حق الملك أن يستأثر به منهم فهو منازع له في بعض أمره، وإن لم يبلغ درجته درجة من أراد الجلوس على سريره والاستبداد بملكه، فالخلق كلهم عباد الله وله العظمة والكبرياء عليهم، فمن تكبر على عبد من عباد الله فقد نازع الله في حقه. نعم الفرق بـين هذه المنازعة وبـين منازعة نمروذ وفرعون، هو الفرق بـين منازعة الملك في استصغار بعض عبـيده واستخدامهم وبـين منازعته في أصل الملك.

الوجه الثاني: الذي تعظم به رذيلة الكبر أنه يدعو إلى مخالفة الله تعالى في أوامره، لأن المتكبر إذا سمع الحق من عبد من عباد الله استنكف عن قبوله وتشمر لجحده، ولذلك ترى المناظرين في مسائل الدين يزعمون أنهم يتباحثون عن أسرار الدين ثم إنهم يتجاحدون تجاحد المتكبرين، ومهما اتضح الحق على لسان واحد منهم أنف الآخر من قبوله، وتشمر لجحده واحتال لدفعه بما يقدر عليه من التلبـيس وذلك من أخلاق الكافرين والمنافقين إذ وصفهم الله تعالى فقال: {وَقَاَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لهٰذَا القُرْآنِ والغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ ..

   ...وإنما ضرب إبليس مثلاً لهذا، وما حكاه من أحواله إلا ليعتبر به، فإنه قال: أنا خير منه، وهذا الكبر بالنسب لأنه قال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، فحمله ذلك على أن يمتنع من السجود الذي أمره الله تعالى به، وكان مبدؤه الكبر على آدم والحسد له فجرّه ذلك إلى التكبر على أمر الله تعالى، فكان ذلك سبب هلاكه أبد الآباد، فهذه آفة من آفات الكبر على العباد عظيمة، ولذلك شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبر بهاتين الآفتين إذ سأله ثابت بن قيس بن شماس فقال: يا رسول الله إني امرؤ قد حبب إليَّ من الجمال ما ترى أفمن الكبر هو؟ فقال : «لا وَلٰكِنَّ الكِبْرَ مَنْ بَطِرَ الحَقَّ وَغَمَصَ النَّاسَ» وفي حديث آخر: «مَنْ سَفِهَ الحَقَّ» وقوله: «وَغَمَصَ النَّاسَ» أي ازدراهم واستحقرهم وهم عباد الله أمثاله أو خير منه. وهذا الآفة الأولى: «وسفه الحق» هو رده وهي الآفة الثانية، فكل من رأى أنه خير من أخيه واحتقر أخاه وازدراه ونظر إليه بعين الاستصغار، أو رد الحق وهو يعرفه فقد تكبر فيما بـينه وبـين الخلق، ومن أنف من أن يخضع لله تعالى ويتواضع لله بطاعته واتباع رسله فقد تكبر فيما بـينه وبـين الله تعالى ورسله.

بـيان ما به التكبر:

اعلم أنه لا يتكبر إلا متى استعظم نفسه، ولا يستعظمها إلا وهو يعتقد لها صفة من صفات الكمال. وجماع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي، فالديني هو العلم والعمل، والدنيوي هو النسب والجمال والقوة والمال وكثرة الأنصار.

 لسان العرب ج: 1 ص: 649

 الغضب    نقيض الرضا وقد غضب عليه غضبا و مغضبة و أغضبته أنا فتغضب و غضب له غضب على غيره من أجله وذلك إذا كان حيا فإن كان ميتا قلت غضب به قال دريد بن الصمة يرثي أخاه عبد الله فإن تعقب الأيام والدهر فاعلموا بني قارب أنا غضاب بمعبد 1 وإن كان عبدالله خلى مكانه فما كان طياشا ولا رعش اليد قوله معبد يعنى عبد ا فاضطر ومعبد مشتق من العبد فقال بمعبد وإنما هو عبدالله بن الصمة أخوه وقوله تعالى غير المغضوب عليهم يعني اليهود

قال ابن عرفة    الغضب   من المخلوقين شيء يداخل قلوبهم ومنه محمود ومذموم فالمذموم ما كان في غير الحق والمحمود ما كان في جانب الدين والحق وأما غضب الله فهو إنكاره على من عصاه فيعاقبه وقال غيره المفاعيل إذا وليتها الصفات فإنك تذكر الصفات وتجمعها وتؤنثها وتترك المفاعيل على أحوالها يقال هو مغضوب عليه وهي مغضوب عليها وقد تكرر   الغضب   في الحديث من الله ومن الناس وهو من الله سخطه على من عصاه وإعراضه عنه ومعاقبته له ورجل غضب و غضوب و غضب بغير هاء و غضبة و غضبة بفتح الغين وضمها وتشديد الباء و غضبان يغضب سريعا وقيل شديد   الغضب    والأنثى غضبى و غضوب قال الشاعر هجرت غضوب وحب من يتجنب 2 والجمع غضاب و غضابى عن ثعلب و غضابى مثل سكرى وسكارى قال فإن كنت لم أذكرك والقوم بعضهم غضابى على بعض فما لي وذائم وقال اللحياني فلان غضبان إذا أردت الحال وما هو بغاضب عليك أنتشتمه قال وكذلك يقال في هذه الحروف وما أشبهها إذا أردت افعل ذاك إن كنت تريد أن تفعل ولغة بني أسد امرأة غضبانة وملآنة وأشباهها وقد أغضبه و غاضبت الرجل أغضبته و أغضبني و غاضبه راغمه وفي التنزيل العزيز وذا النون إذ ذهب مغاضبا قيل مغاضبا لربه وقيل مغاضبا لقومه قال ابن سيده والأول أصح لأن العقوبة لم تحل به إلا لمغاضبته ربه وقيل ذهب مراغما لقومه وامرأة غضوب أي عبوس.

Partager cet article
Repost0

:هـــذا الــفــضاء

  • : ملخصات دروس مادة التربية الإسلامية للسنة الأولى ثانوي تأهيلي
  • : تشتمل هذه المدونة على ملخصات الدروس المقررة في مادة التربية الإسلامية لأقسام السنة الأولى ثانوي تأهيلي بالإضافة بالإضافة إلى شروح وتفاسير
  • Contact

بـــــحــــث